نبيل حيدر كلما (نسنس) هبوب من المناطق الجنوبية أشعر بانجراف نحو السكينة والاطمئنان.. هناك حيث يمتد التاريخ أرضا وإنسانا ويتصل بعمقه الشمالي والشرقي والغربي. مع الجنوب.. مع عدن مع شقرة مع المكلا مع سيحوت وحتى كورنيش الغيضة.. لا يمكن إلا أن تسافر على شريطها مع الإنسان الذي يستبصر وطنا مزدهرا خاليا من هلوسة الأفضلية ومن صيحات الغوغائية التي تدعي دفاعا عن وحدة محروسة بمقلتي ابن الجنوب ومن بعده يأتي الآخرون. ومن يحرس موطنه وحقيقة أرضه الواحدة لا يمكن لك إلا أن تحني رأسك له ,و لا مانع من أن تزدري ذلك الذي يهمس برغبة الانفصال لا لشيء ولا لغاية فضيلة بل لنرجسية اصطنعها في مواجهة نرجسية ظلم مارسه أفراد وشوهوا الوجه الجميل للوحدة وللعلاقة الاجتماعية التي تعززت وزادت على مدى واحد وعشرين عاما وذات الامتداد التاريخي الأكثر رغم بعض المآسي التي يتلوى عندها بعض من لم يتمرس إلا في صنع المآسي. وكم أكون فرحاً وأنا أشاهد منشورات فيسبوكية لمواطنة مثقفة رائعة من بنات عدن متزوجة من مواطن مثقف رائع من أبناء صنعاء وهي تناغي العيون بكلمات باللهجة الصنعانية تارة وباللهجة العدنية تارة أخرى. عندما أشاهد ذلك الزوج وذلك التزاوج في الكلمات وفي التعليقات التي تأتي وتتشابك ناسجة فانتازية حلوة ذات ألوان وأشكال متعددة.. عندما يحدث ذلك يتأكد لي أن الوحدة في القلوب موجودة وأن التشاكي المتناقل يبث هموما مشتركة.. تختلف في الحجم لكن مذاق مرارتها لا يختلف رغم محاولات البعض صنع صورة ذهنية عن القهر الذي لا يزوره إلا وحده وكأن الآخر يعيش بين ريش النعام ويصحو على مقشة حرير تداعب خدوده فيما واقع الحال أنه أرق بين هموم تفرق في المضاجع بين جفون عيونه وتنتزعه ثم تقذفه تحت عجلات مسمارية لا تستثني أحدا. ثمة أصوات ترتفع بالشطرية وترفع كلمة حق من غير الأكيد إذا كانت غايتها تحقيق الحق أم الباطل.. ترتفع بما هو أشبه بصعب المنال في جو عام تسوده الرغبة في الوحدة وبتجاوز مرحلة الرغبة.. وهنا لا خوف ولا قلق إلا في حالتين. الأولى أن يكون طلب حق تقرير المصير يلعب على المشاكل والأخطاء مستخدما لها في نعيقه الغرباني ليصل إلى ما لا يدري كيف سيتعامل معه لأنه بكل بساطة لم يكن في يوم من الأيام صاحب مشروع حقيقي ولا توجد بوادر تقول أنه قد تعلم وتعفر وعركته الحياة فأصبح صاحب مشروع متحرر من قماشة الشعارات التي لا يتقن غير صنعتها. الحالة الثانية إذا أصر البعض على خطابه الماجوجي الياجوجي وأنه فقط حامي الحمى محاولا ترهيب العقول لثنيها عما يدور فيها من خيوط الأحلام أو الأوهام.. لغة عفا عليها الدهر وأكثر مما تبني تهدم وتشتت وتقضي على الناي الذي يعزف في عدن ويتردد صداه في صنعاء والعكس. وبكل لغات الدنيا وبكل لهجات اليمن من الأمهرية إلى العدنية إلى الحجرية إلى الذمارية إلى الصنعانية إلى البدوية.. أقول وكثيرون يقولون أن الانزواء المناطقي أو الشطري لا يخدم حتى نفسه، وأن المنزوي سيظل يمارس طقوسه في شرنقته وسيخلق بداخلها حويصلات أكثر ضيقا ولن يكون النتاج إلا مآس. ومثله تماما من يمارس الفوقية كالجنس الآري المعتقد بالسمو ويدرج على خطاب هتلري ممقوت لا ينتج إلا حقداً هولوكستياً بامتياز. وحتى نخرج من هذه الغابة العنيفة في القول والفكر فعلينا جميعا أن نعمل على عودة الحق لصاحبه أينما كان دون أن نعطيه صبغة مناطقية أو نكسبه صيغة سياسية تعقده على طريقة الأيمان المغلظة التي تصنع الوجع في الأمعاء الغليظة فتكون قرحة دائمة. جميعنا مطالب بالعمل على أن يتقدمنا الأكفأ والأجدر لا المحسوب على المربع الجغرافي هذا وذاك.. وإذا كان كل المقتدرين والأكفاء جنوبيين فليتقدموا وإذا كانوا شماليين فليتقدموا، كذلك إذا كانوا من مناطق الوسط أو الشرق أو الغرب.. المهم أن يكون معيار الكفاءة والاقتدار معيارا ثابتا ومعه سيأخذ كل من يستحق فرصته وسيقدم لنا جميعا أغلى ما يملك.. وهو عصارة فكره وجهده. ولنكن هنا استغلاليين له فلا حرج في ذلك والعاقبة المشابهة لعاقبة المتقين ستكون للوطن بأكمله إذا اتقينا الله في وطننا بعيدا عن الأفكار الحصرية باستملاك السواحل وبعيدا عن الأحلام بما في خزائن البر والبحر. ويا سيدتي عدن اسمحي لي أن أضع هذه الكلمات في غور أضلعك الحنونة. ــــــــــــــ نقلا صحيفة الثورة