امين المجيدي مدير التحرير
عدد المساهمات : 563 تاريخ التسجيل : 11/07/2010 العمر : 46
| موضوع: الخرافة في الموروث الشعبي الجمعة 19 نوفمبر 2010, 11:15 am | |
| ( الخرافة).. في الموروث الشعبي اليمني الخرافة- هي كل ما ارتبط بعالم الخيال، وصار جزءً من المعتقد البشري لأمه ما ، أو شعب ، أو فئة معينة من الناس. والحقيقة أن ليس من حضارة على وجه الأرض تخلو من الخرافة، كونها كانت سبيل البشرية الأول في استكشاف الحقيقة، وسبر أغوار الكون، وفك طلاسم المحيط البيئي.. الأمر الذي نسج في ظله العقل الإنساني تصوره للرب بأنه الشمس، أو القمر، أو البحر، أو الجاموس .. الخ، ثم صار ينظم علاقاته النُسكية بطقوس توحيها مخيلته الواسعة، حتى شاء الله أن يهديه إلى الحقيقة المختلفة. اليمنيون لم يكونوا استثناءً بين البشرية، فتراثهم القديم غني بالخرافات الغريبة، التي تحكي علاقتهم مع الإله القمر ( المُقَه)، ومعابده فوق (هرّان) ، ومعجزات السحرة، والمنجمين، والكهنة ، ثم لينتهي ذلك كله بالإسلام، حتى إذا مرت القرون وانتكست الأمة في حقب من الجهل، والظلم وجدت الخرافات طريقها- بأشكال مختلفة- إلى رؤوس الناس، ومفردات حياتهم اليومية.
· أولا: في الأدب الشعبي
ترجم الإنسان اليمني معتقداته في مختلف ألوان موروثة الأدبي الشفاهي، فعلى صعيد ( الزّامل)- نوع من الرَّجز- ربط " البردوني" – شيخ الأدب اليمني - نشأة الزامل بالجن، وروى أن قبائلاً فرّت أيام الغزو الروماني إلى كهوف الجبال، وفي هدأة الليل سمعت أصواتا جهيرة كثيرة العدد تردد الزامل التالي :- · قبح الله وجهك يا ذليل عاد بعد الحَرايِب عافيــة عند شب الحَرايب ما نميل با تجيك العلوم الشافيــة
ولم تر القبائل أحداً ، وإنما كانت تسمع ضجيجا، وتشاهد أمواج غبار، فتأكدت من اشتعال حرب بين قبائل ( الجّان) .. وهكذا تعلموا الزامل منهم. إلاّ أن الاعتقاد بتدخل الجان في حياة البشر، وكذا ارتباط الأحداث بمواقع النجوم ظل أمراً مصاحباً لكثير من النصوص الزواملية، كما في الزامل التالي: · الشمس غابت والثريا قارنت ..والنجم رد والدولة اهتدت مع جمع الجيوش ..كمن ولد والجن جابت من قفا حيد الطيال ..أهل النكد والرب يشهد والقنابل جامعـه ..من كل حد
فقد جرت الاعتقادات القديمة أن تربط العامة بين مواقع النجوم ومصير الفرد، وطبيعة ما يتعرض له من خير أو شر.. كما أن الخرافة ترسّخ الاعتقاد بإمكانية تزاوج الإنس من الجن.. وتروى قصصا لا حصر لها من وقوع شاب بغرام جنيّة، أو جنّي يعشق إنسيّة، ويخوضا مغامرات، وأحداث ، الخ.. وهنا نورد زامل يذهب إلى تلك الفكرة: · محمد الشيطان وأمّه جنيّة مبعد قرأ في العلم في وادي تريم أنا قدّر الصاحب وقدّر موقفه ما بايقع لك عقل من عند الغريم
في حين نجد بين الزوامل ما يستعين بذكر ( الغراب) كفأل سيء، طالما تروى عنه الناس قصصا تصوره فيها نذير شئوم، كما في الزامل التالي: · يا لصقر لا شفت الحبارى كلها لا تقرب الغربان بوجنحان سود با تلطمك جنحاتها لاميّحت ذي تؤخذ اللحمة على عين الحسود
وفي الحقيقة أن الخرافة دخلت في جميع ألوان الأدب الشعبي اليمني القديم بوصفها جزء متأصل في ثقافة تلك الحقب التاريخية، لذلك نجد في مغاني المرأة اليمنية ما يشير إلى بعض المعتقدات الخرافية المرتبطة بالشعوذة، كما في قول إحداهن: · والنّبي والقسَم... لوما تساعِد وتَرحم لا حبِسَك بالرّسم… وصلّح القيْد مُبهم
والملاحظ أن الخرافة تتجلى بوضوح كبير جدا في المثل الشعبي وفي الشعر الشعبي القديم أيضا، فالموروث الأدبي اليمني غنيّ بالأمثال الشعبية التي تتناول موضوعات لم يعد لها وجود في زماننا الحاضر، كما في المثلين التاليين: · ما من صَياد لبَن ولو خَدَشت · صَياد ما تدخُل إلاّ راس الذليل
فالمثلين السابقين يتعلقان بـ ( صَياد) التي تُسمى في مناطق أخرى من اليمن بـ( أم الصّبيان)- وهي نفس الكائن الخرافي المعروف في بلدان عربية عديدة باسم ( السُعلاة) وتكاد تكون الروايات حول ( صياد أو أم الصبيان) متماثلة إلى حد كبير في اليمن وغيرها، حتى أنهم ينسبون لها ولدا يسمونه ( سعَيّد) مثلما أهل العراق وسوريا يطلقون على ابنها أسم ( طَنْطل). ثم تأتي قصص الجّان، إذا أن الحكايات تجري عنه على أساس أن الجن قادر على التحول إلى صور بشرية مختلفة، إلاّ أن التحقق منه يتم بالنظر إلى قدميه اللتان يكونان على هيئة حوافر الحمير والخيول، فقد ورد ذكر الجان في أمثال شعبية عديدة كما في : · مَنْ دَعا الجِّن ركّضُوه · لا تُقول له جنّي، يقول لك عِفْري · جِنّي بَين التِّبن ولا مَرَة الإبن · الجِنّي جِنّي حتى يَوم العّيد · ما حَدْ يبَدِّل ولَدَه بجِنّي
كما أن الجّان دخل المثل الشعبي بصورة غير مباشرة، من خلال المعتقدات المرتبطة به، كما في المثل الشعبي التالي: · أصبَحَت اللَّقِيَّـة سّوْد
إذن كان هناك اعتقاد بأن الجان قد تحضر في منام أحدهم وتخبره، بموضع كنز مدفون، إلاّ أن الجان لن تدله بالموضع بالتحديد إلا بعد أن تأخذ عليه عهداً بأن يذبح قربانا قبل إخراج الكنز.. لكن إذا نكَث المرء وعْدَه وأراد استخراج الكنز قبل تقديم القربان فأنه سيجده قد تحول إلى فحم (سَوْد). وهناك أمثال شعبية ارتبطت بخرافات أخرى طالما كان معمولا بها قديما، كما في المثال التالي: · مَكْـوى جُمْعــَه
حيث جرى الاعتقاد أن العلاج بالكي لن يكون ذو مفعول أبدا إذا تم العمل به يوم الجمعة، ويعللون ذلك بمواقع النجوم، ويضرب المثل على الأمر عديم الفائدة. وفي مثل شعبي آخر يتحدث اليمنيون في موروثهم الثقافي الشعبي عن خرافة تقول أن الأفعى كانت لديها أرجل كثيرة ولم يكن في رأسها عيون، فرأت حشرة ( الحُلبُباني ) التي تسمى عند البعض ( أبو أربع وأربعين) فأقنعتها أن تعطيها الأرجل مقابل العيون، وهكذا أصبحت الأفعى بعيون دون أرجل ، وأصبح الحُلبُباني بأرجل دون عيون، فانطلق المثل الشعبي يقول. · لا عيد الحُلبُباني ذي عِمي وما نَقَشْ
لا شك أن هناك أمثلة عديدة أخرى، إلا أننا نكتفي بذلك القدر لننتقل إلى الشعر الشعبي الذي يترجم في نصوص كثيرة منه الكيفية التي تتداخل فيها الخرافة مع التراث الشعبي كجزء من واقعه الثقافي والاجتماعي.. فقد كتب شاعر يُدعى (ناجي مسعد حمود) الأبيات التالية- يصف فيها زيارة مباغته لإحدى (الجنيّات) إلى داره، ونقتطف أبياتاً منها فقط: سهرت في دار عالي ..... سهران عدة ليالـي واني بشوذي قبالـي ..... فنّه وصورة رضية الجَعــَد حقّه مندّش ..... والطيب بينه مرّبش والعطر في نبْعَته رش..... وزاد سوّى دريَّـة جبينــه الضوء منه ..... مَحلا جَماله وفنّـه إن تسأل الناس عنّـه ..... ماله مثيل في القرية والفَّـم خاتم سليمـان..... يجمع الإنس والجان فنّان من فوق الأفْنان ..... وأسنانه الكهربيـة وهذا شاعر آخر يدعى (شريف صالح) يتحدث عن حالة مماثلة لسابقه، فيقول في بعض أبيات قصيدته: الصدر بستان نعم فيه الخُضَر تدّي وأكْعاب مثل السَّفَرجل تَشبه الرّمان وقلت يا مرحباً ما الـبرق لا يدي ما حن رعْده وشنّت منه الأمْـزان ما سرّني بش ومن إداش لا عندي أنت من الإنس أو لا من بنات الجان
إلا أن شاعر ثالث يدعى (صالح عبد محمد) ذهب إلى تضمين قصيدته بعض التعويذات والأسماء التي يقول العارفون أنها أسماء جان ومَرَدة كانت تحت إمرته،تلبي كل ما يطلبه منها، نقتطف أبياتاً منها: ونا لي الله وارد واعرف في الكتب تنجوم واقسم بالأسماء ذي الله طعناها (بهنطش) الحرف ياذي بالخدم مخدوم ياخادم الحرف واعزم حيث أنا أبغاها أقطف لي الزهرة لأن القلب به سمسوم بحق سبّح في قدوس نقراها باسم الملك والقمر والخيتم المرسوم و (البرهتية) بمجراها ومعناها
ثانياً: الخرافة في مفردات الحياة اليومية امتزجت الخرافة بحياة الشعوب، وسلوكياتها كجزء من واقع لا ينبغي لأحد الشذوذ عنه، إلا أن توغل البشرية في العلوم المعرفية، وبلوغها عالم الحقيقة بنظريات استدلالية، وشواهد حية، ومناطيق واضحة ودافعة، أخذت بتشذيب السلوك البشري، ودحر معتقداته الخرافية التي كانت تمثل فلسفته العملية في الحياة. ولا شك أن أمراً لم يكن ليحدث بين ليلة وضحاها، بقدر ما تطلب عقوداً من السنين، وربما قروناً.. وبالنسبة لليمن فإنها بسبب ما مرت به من ظروف سياسية قاهرة ألقت بجهالتها، وتخلفها على كاهل الشعب اليمني، فإن مسيرة تحررها من الكثير من الخرافات كانت مرهونة بالعقدين الأخيرين من تاريخها اللذان بدأ العلم فيهما يحل بديلا عن الخرافة. ونورد هنا بعض ما كان شائعاً في موروث اليمن الشعبي من معتقدات تمارسها الناس عن سابق يقين بمفرداتها. يعتقد الناس أنه ضرب الطفل وقت الغروب، لأنه وقت مرور الشيطان (جزعة الشيطان)، وكذلك لا ينظفون بيوتهم، أو يعملوا أي شيء آخر في هذا الوقت. لا يجوز قص (تقليم) أظافر الرضيع، للاعتقاد بأنه سيصبح سارقاً في الكبر. أما إذا لم يدفن (الحبل السري والمشيمة) للوليد في مكان آمن، فربما تأكله القطط، وذلك سيجعل هذا الطفل يفشي الأسرار، ولا يحفظها أبداً. الأفاعي تدخل في أفكار العامة، فالأفعى (الحنش) الأبيض لا يجوز قتله، لأنه ملك صالح، وإذا مر أمام أحدهم فإنها بشرى خير. أما الأفعى الأسود فهو شيطان العين وبشرى شؤم يجب قتله.. كما جرى الاعتقاد أن لدغة الأفعى في أول الشهر مميته، وتضعف آثارها وأضرارها كلما اقترب الشهر من نهايته. إذا جاء المخاض امرأة، وعلم رب الأسرة بذلك، وكان عاقداً عزم السفر، فإنه يتحتم عليه العدول عن سفره، للاعتقاد أن الولادة ستتعسر، ولن تتم حتى يعود الغائب من سفره، فالنسوة تقول (أنه شلّ الحس معاه)ما إذا كان الرجل مضطراً للسفر فإنهم يقطعوا خرقة من ثوبه ويضعوها عند المرأة التي في حالة ولادة. وهذا الأمر لا ينطبق على البشر وحده بل حتى الأبقار والأغنام تمنع من الخروج للمرعى، فخامة أن تتعسر الولادة حتى تعود. وهناك تقليد في بعض المناطق يقضي بأن يشتري الزوج كبش صغير ويودعه عند زوجته الحامل لتتولى تربيته، ويسمونه (ربيطة)- الغرض منها هو حفظ الزوجة من التعرض لكراهية أهل البيت، أو الكدر والانزعاج وما شابه. إذا تزوجت المرأة إلى منطقة عند مدخلها (نجد)، فإنها عند الزفاف ينبغي على العروس عدم الالتفات إلى جهة المساكن الواقعة على ذلك النجد، للاعتقاد بأن نظر العروسة إليها سيبعث الشؤم، ويتسبب بانقطاع المطر. إذا كانت هناك جنازة تريد المرور على طريق يقع على أحد جانبيه منزل على مستوى أدنى انخفاضاً من الطريق وفيه امرأة (نغاس)، فيجب على المرأة أن ترتفع بوليدها إلى مكان آخر يكون أعلى مستوى من الطريق الذي تمر فيه الجنازة للاعتقاد أنها إن لم تفعل فإن وليدها سيموت أيضاً. إذا رزق أحدهم بمولود، وظل هذا المولود يبكي فإن المنجمين بنصحون الأهل اسمه، وإذ بدلوا اسمه واستمر بكاؤه، فإن النصيحة حينئذ ستأتي بتغيير اسمه إلى اسم غيب وغير مألوف، لأن نجم الوليد لم يكن متوافقاً مع الاسم. هناك خرافات كثيرة ارتبطت بالجان، والسحر، ومواقع النجوم، وأوقات اليوم، فضلاً عن تلك المرافقة للزواج، وما ارتبط بزيارة الأولياء، والنذور، ووضع الحناء على الجدران.. وغيرها مما بات اليوم يمثل جزء من ماضي اليمن السحيق الذي طوته الأجيال مع مرور الزمن. وفي الحقيقة، رغم أن اليمنيين خلفوا تلك الخرافات- أغلبها الأعظم- وراء ظهورهم بفضل دخولهم عصر الحداثة، إلا أن الحديث عن ذلك الموروث الشعبي ظل أمراً يستهوي المجالس الشعبية اليمنية، ويبعث السرور إلى قلوب الفتيان والشباب الذين لم يدركوا ذلك الزمن، ولا يجدوا في قصصه إلا باعثاً لكثير من السخرية والضحك. | |
|