كيف تتعلَّم حب اليمن في 5 أيام بدون معلِّم؟
بقلم/
عبدالحفيظ العمري
نشر منذ: 12 ساعة و 37 دقيقة
الثلاثاء 14 يونيو-حزيران 2011 07:57 ص
...مما لاشك فيه أن حب الأوطان فطرة في النفس ولا تحتاج إلى تعلّم أو تدريب فكل إنسان مرتبط عاطفيا وحياتيا بالأرض التي ينتمي إليها ودرج عليها في سنوات صباه.. لكن يشوب هذه العاطفة بعض الانحراف والتشويه بل والتمويه عن قصد أو عن غير قصد بحيث تجعل من الفرد يمارس بعض السلوكيات ظانا انه بذلك يعبّر عن حبه لوطنه دون ان يدري انه يسيء للوطن أكثر مما يحسن لأن العاطفة المجردة من أي تعقل تضر في بعض الأحيان ..يقول الشاعر :
رام نفعاً فضر من غير قصد
ومن البر ما يكون عقوقا
لذا أدعو عزيزي القارىء في سياحة خمسة أيام لنتعلم ـ أنا وهو سويا- حب اليمن..
اليوم الأول :
هل قرأت بعضا من كتب التاريخ اليمني؟ لاشك انك سمعت بالإكليل للسان اليمن الحسن بن احمد الهمداني وما جاء فيه عن انساب حمير وسبأ وكهلان .
ادعوك للاطلاع عليه وعلى غيره من كتب التاريخ لتعرف عراقة الحضارة اليمنية تلك الحضارة المنسية وهي الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ الإنساني بما لا يقل عن تسعة آلاف سنة ؟!
يكفي ان تعرف ان الملكة بلقيس ذكرتها كل الكتب السماوية بالتصريح أو بالتلميح ، وما أخبار الملك سيف بن ذي يزن عنا ببعيدة اما ملوك اليمن التبابعة فهم ممن استفردت بهم اليمن دون غيرها من البلدان..
لكن هذه الحضارة العريقة تحتاج للاهتمام وعرضها في ثيابها القشيبة ليعرف الأحفاد أي ارث حضاري يملكونه فلا يضيعوه.. ولو تعرف كم ألمي وحزني ـ وكثيرون من اهل الاهتمام بالتاريخ اليمني مثلي- عندما يُعرض أي فيلم وثائقي عن تاريخ الشرق الأوسط ويذكر حضارة وادي النيل في مصر ـ وهي لاشك حضارة عريقة- وكذلك حضارة سومر في العراق والفينيقيين على الساحل اللبناني ولا إشارة ـ مجرد إشارة- لحضارة اليمن السعيد! لأننا لم نحسن تسويق ونشر حضارتنا .. وأني ادعوك لأن تقرأ كتاب الأستاذ /محمد حسين الفرح (الجديد في تاريخ دولة وحضارة سبأ وحمير) المنشور في عام 2004م لتعرف ما أقول...
اليوم الثاني :
قلت لي ذلك تاريخ ذهب ومضى وما لنا إلا الحاضر الذي نعيش فيه ؟!
صحيح ..إذن دعني اريك اثار ما مضى فالآثار خير دليل على صحة الأخبار..
فهل زرت سد مأرب ؟ ومعبد بلقيس ؟ وصهاريج عدن ؟ و ما رأيك بزيارة المتحف الحربي بصنعاء لتقف على تلك الاثار ، فمن اليمن كانت قوافل المر واللبان والبخور إلى كل أرجاء العالم القديم ، واذا ذهبت في زيارة إلى شبام تريم سترى اول ناطحات سحاب في العالم بنيت بدون روافع حديثة باعتراف واعجاب الشرق والغرب وعلى رأسهم الروائي الالماني جونتر جراس صاحب نوبل في الادب عام 1999م ..
واكثر الاثار التصاقا بنا هي اللغة العربية التي ننطقها جميعا فلو محّصت جذورها وجذور الخط الذي كُتبت به ستجد لليمن اليد الطولى في ذلك من زمان يعرب يمن بن قحطان الذي كان اول من (أعرب ) الكلام أي بيّنه، اما الخط فما الخط العربي الحديث إلا امتداد للخط النبطي في البتراء القادم من اليمن ابان الهجرات السامية القديمة..
وقف معي أمام مسميات المحافظات اليمنية صنعاء ..مأرب..عدن..شبوة..حضرموت..أبين وغيرها أليست أسماء الملوك الذين ذهبوا في غابر الدهر وما زالت أسماؤهم خالدة حتى اليوم؟
وليس هذا في الماضي السحيق بل حتى في الماضي القريب فاذهب إلى تعز الحالمة واسأل عن مساجدها ستجد الأخبار عن دولة الرسوليين الشامخة التي حكمت لقرنين وربع من الزمن ابتداءً من القرن السابع الهجري وتركت لنا الاشرفية والمظفر والاسدية والجلالية وغيرها من المساجد في المحافظات اليمنية ، ولعلك سمعت عن انتهاء ترميم جامع العامرية في رداع الذي ينسب بناؤه إلى الملك الطاهري عامر عبدالوهاب في القرن التاسع الهجري...
اليوم الثالث :
دعنا نترك التاريخ والآثار جانبا ودعني اريك الطبيعة الساحرة لليمن ، فعدن لوحدها درة السواحل اليمنية بشواطئها المتعددة من الساحل الذهبي إلى العروسة فالعشاق وساحل ابين والغدير ناهيك عن مدينة الحديدة والمخا ، وعلى ذكر المخا Mocha فهذا الاسم له صداه في أوربا عندما اعاد الفقيه علي بن عمر بن ابراهيم الشاذلي المتوفى سنة 1418 م بناء ميناء المخا وإنشاء أقدم بيوت القهوة (المقاهي) والمتاجر في مدينة المخا والتي على غرارها أنشئت بيوت القهوة في أوروبا وأقدمها في مرسيليا وباريس ولندن..
واذهب الى إب الغناء التي قال عنها الرحالة العربي امين الريحاني “ قبضة لؤلؤ على بساط اخضر” ، فجبل بعدان يكتسي بالسندس الاخضر في موسم الامطار في الصيف ، والحقول الخضراء على طول الطريق في قاع الحقل ( يحصب) ما هي الا لوحة بديعة من صنع المولى عز وجل..
ناهيك عن وادي الضباب والبركاني في تعز وجبال شبام كوكبان ووادي ضهر ودار الحجر خارج صنعاء..
اليوم الرابع :
لنترك التاريخ والجغرافيا خلفنا ودعنا نفتش في الثروة الحقيقية ..الإنسان ، فالمواطن اليمني أكثر أهل الأرض طيبة ورقة ويكفيك ما تعرفه من شهادة النبي (ص) ـ الذي لا ينطق عن الهوى- في قوله الشريف “ أتاكم أهلُ اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية” وفي رواية والفقه يمانٍ..
هذا الإنسان اليمني طاقة جبارة لو استثمرت جيدا..أفلم تنجب هذه الأرض عمالقة في مختلف العلوم والفنون ويكفي ان نذكر الهمداني ـ لسان اليمن- ذلك الموسوعة وشارحه نشوان الحميري ومن فرسان اليمن عمرو بن معد يكرب الزبيدي صاحب الصمصامة واليمنيين اصحاب الفتوحات العظيمة في ارجاء المعمورة وليس بعيدا عن اذهاننا اسماء مثل عبدالرحمن الغافقي والسمح بن مالك الخولاني وغيرهم...
ربما قلت لي هذا في الزمن الماضي وماذا عن اليوم ؟ أقول هذه الارض (ولّادة) بالعظماء والعباقرة ولا يغيب عن ذاكرتنا المعاصرة الأستاذ الزبيري والأستاذ البردوني والدكتور المقالح ناهيك عن الجرّاح العالمي الدكتور علي بن علي الربوعي ، أما عباقرة الطرب الحديث ففي اسماء مثل ابوبكر سالم واحمد فتحي وسواهما دليل على ذلك؟ وقد احتفل اليمنيون بفوز الشاعر المبدع عبدالعزيز الزراعي بلقب أمير الشعراء في موسمه الرابع لكنني استغربت لماذا تأخر فوز اليمنيين لهذه الجائزة اربع سنوات كاملة فاليمن هي بلد الشعر ...
اذهب إلى سوق الملح في صنعاء أو باب موسى في تعز أو الشيخ عثمان في عدن لترى المواطن اليمني الأصيل ببراءته وطيبته...
اليوم الخامس :
هل اغتربت يوما ؟
أنا شخصيا انسلخت من عمري ست سنوات كاملة في ارض الرافدين في منتصف التسعينيات اثناء الدراسة الجامعية ، سنوات كان انيسي فيها الرفقة الطيبة من اليمنيين والعراقيين على السواء إلى جانب اكياس (البن) البلدي التي كان والدي ـ رحمه الله- يرسلها إليّ ، هذا البن يظل هو الأفضل مذاقا رغم مزاحمة البن الفنزويلي والبرازيلي له في الاسواق العالمية وشجرة (القات) داخل حقول الوطن !
هناك في الغربة ستحن إلى أي بارقة أو خاطرة أو لمحة عن اليمن وسيكون ملامح أي يمني تراه اقرب من أخيك لأبيك وأمك .. واي صوت قادم من اليمن سيكون له خفقة القلب الخاصة رغم تفاهة الخبر الذي يحمله ذلك الصوت؟!
ستعرف في الغربة لهفة اللقيا وحرمان البعد عن بلدك الذي لعبت في مراتعه صغيرا ونمّاك كبيرا ..
حقيقة كم احترم الاخوة المصريين حب انتمائهم لبلدهم ، فمصر أم الدنيا ـ وهي كذلك- والمصري (يشحطط) ويتحمل كل الرزايا ويسب ويلعن كل شيء من حوله إلا مصر ..فهل يصح ان يسب أم الدنيا ؟!
وما زال عند النقّاد المصريين نزعة العتاب على شاعر العرب الاكبر ابي الطيب المتنبي لأنه عرّض بمصر في بعض ابيات ومازالت هذه النزعة إلى اليوم رغم كل هذه السنوات ...
وفي الهند يعيش المواطن المطحون في بيت من ( صفيح) ويسب ويلعن كل شيء من حوله إلا الهند ، فالهند فوق كل شيء وشعاره دائما MOTHER INDIA ..فمتى يكون الوعي لدينا كذلك ؟ متى تصبح اليمن وحب اليمن ـ بكل علاتها- فوق كل شيء وقبل كل شيء وأهم من كل شيء ...
عندي يقين ان المواطن اليمني لايقل محبة لبلده عن المواطن المصري أو الهندي أو سواهما من شعوب الأرض ، وهو مستعد ان يتحمل انقطاع الكهرباء و شحة الغاز والديزل والبترول بل والهواء ـ إن لزم الأمر- كل هذا من اجل شيء واحد هو أن يبقى هذا الكيان الأكبر ـ اليمن- الذي تذهب كل الكيانات الأخرى ـ مهما كانت ـ من اجل هذا الكيان الخالد أبدا ، ارض أجدادنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا من بعدنا.